ولذلك يقول صاحب الحاشية تعليقاً على قول السنوسي: (بخلاف الجهل بما يجب لله وما يستحيل عليه فإنه كفر): "قوله: (فإنه كفر) ومن عاشر العوام وعاين جهلهم، لا يسعه إلا القول بكفرهم؛ لجهلهم بالضروري"، أي: لأنهم يجهلون ما يجب لله وما يستحيل عليه، ومن ذلك أنهم يثبتون أن الله تعالى في السماء، وهذا دليل على أن هؤلاء العوام يجهلون ما لله، إذاً هم كفار، فكل من يقول: إن الله في السماء فهو كافر.
ويقول في موضع آخر: "فيه قولان، والمعتمد عدم تكفيرهم" أي: الذين يثبتون العلو لله تعالى؛ ففي حكمهم عند الأشاعرة قولان:
القول الأول: من اعتقد أن الله تعالى في السماء أو فوق العرش كما أخبر الله في كتابه، فهو كافر؛ لأنه صرح بنقيض ما يستحيل على الله، والعقيدة عندهم هي: ما يجب لله، وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه، فمن أثبت لله شيئاً مما يستحيل عليه، أو نفى عنه شيئاً مما يجب له؛ فهو كافر.
القول الثاني: أنهم ليسوا كفاراً، لكنهم عصاة ضلال.. وهو الذي اعتمده.
وبعض الشراح قالوا: لأن لديهم شبهات نقلية، ويقصدون بها أدلة العلو، كقوله تعالى: (( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ))[الملك:16]، وقالوا: فلا نكفر أحداً قال بشيء في القرآن، وكذلك حديث الجارية.. فهذه الأدلة وغيرها هي التي جعلتهم يتوقفون في تكفير من يثبت العلو لله تعالى؛ لأنها عندهم بمثابة شبهات، وقد ردوا حديث الجارية لأنه حديث آحاد، مع أنه قد رواه مسلم، فقالوا: لا بد أن يكون متواتراً، ولو كان متواتراً لأوَّلوه؛ لأنهم قد أولوا القرآن الكريم.
ومنها: أن هذه هي عقيدة العرب في الجاهلية، فقد كانوا يعتقدون أن الله تعالى في السماء، كما قال عنترة :
يا عبل أين من المنية مهربي إن كان ربي في السماء قضاها
والنبي صلى الله عليه وسلم لما سأل الجارية أجابت بعقيدة العرب في الجاهلية.
فيقال لهم: وهل أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على عقيدة الجاهلية، بقوله: {أعتقها} وفي رواية: {فإنها مؤمنة} ؟!